کد مطلب:336067 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:252

کلام ابن القیم حول الصدقات عن المیت
ففی كتاب الروح لأبن القیم قال:

" فصل: والدلیل علی انتفاعه بغیر ما تسبب فیه القرآن والسنة والإجماع وقواعد الشرع أما القرآن فقوله تعالی: (والذین جآءوا من بعدهم یقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذین سبقونا بالایمان) فاثنی الله سبحانه علیهم باستغفارهم للمؤمنین قبلهم فدل علی انتفاعهم باستغفار الأحیاء. وقد یمكن



[ صفحه 76]



أن یقال إنما انتفعوا باستغفارهم لأنهم سنوا لهم الإیمان بسبقهم إلیه فلما اتبعوهم فیه كانوا كالمستنین فی حصوله لهم لكن قد دل علی انتفاع المیت بالدعاء إجماع الأمة علی الدعاء له فی صلاة الجنازة. وفی السنن من حدیث أبی هریرة رضی الله عنه قال قال رسول الله إذا صلیتم علی المیت فأخلصوا له الدعاء. وفی صحیح مسلم مد حدیث عوف بن مالك قال علی جنازة فحفظت من دعائه وهو یقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطایا كما نقیت الثوب الأبیض من الدنس وأبدله دارا خیرا من داره وأهلا خیرا من أهله وزوجا خیرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار. وفی السنن عن وائلة بن الأسقع قال علی رجل من المسلمین فسمعته یقول اللهم إن فلانا ابن فلان فی ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك الغفور الرحیم. وهذا كثیر فی الأحادیث بل هو المقصود بالصلاة علی المیت وكذلك الدعاء له بعد الدفن وفی السنن من حدیث عثمان بن عفان رضی الله عنه قال كان النبی إذا فرغ من دفن المیت وقف علیه فقال استغفروا لأخیكم واسألوا له التثبیت فانه الآن یسأل، وكذلك الدعاء لهم عند زیارة قبورهم كما فی صحیح مسلم من حدیث بریدة بن الخصیب قال كان رسول الله یعلمهم إذا خرجوا إلی المقابر أن یقولوا السلام علیكم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین وانا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم



[ صفحه 77]



العافیة. وفی صحیح مسلم أن عائشة رضی الله عنها سألت النبی كیف نقول إذا استغفرت لأهل القبور قال قولی السلام علی أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ویرحم الله المستقدمین منا والمستأخرین وانا إن شاء الله بكم للاحقون. وفی صحیحه عنها أیضا أن رسول الله خرج فی لیلتها من آخر اللیل إلی البقیع فقال السلام علیكم دارقوم مؤمنین وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وانا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقیع الغرقد. ودعاء النبی للأموات فعلا وتعلیما ودعاء الصحابة والتابعین والمسلمین عصرا بعد عصر أكثر من أن یذكر وأشهر من أن ینكر وقد جاء ان الله یرفع درجة العبد فی الجنة فیقول أنی لی هذا فیقال بدعاء ولدك لك. فصل: وأما وصول ثواب الصدقة ففی الصحیحین عن عائشة رضی الله عنها أن رجلا أتی النبی فقال یا رسول الله أن أمی افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم وفی صحیح البخاری عن عبدالله بن عباس رضی الله عنهما أن سعد بن عبادة توفیت أمه وهو غائب عنها فأتی النبی فقال یا رسول الله إن أمی توفیت وأنا غائب عنها فهل ینفعها إن تصدقت عنه قال نعم قال فإنی أشهدك أن حائطی المخراف صدقة عنها وفی صحیح مسلم عن أبی هریرة رضی الله عنه أن رجلا قال للنبی ان أبی مات وترك مالا ولم یوص فهل یكفی عنه أن أتصدق عنه قال نعم. وفی السنن ومسند أحمد عن سعد بن عبادة أنه قال یا رسول الله ان



[ صفحه 78]



أم سعد ماتت فأی الصدقة أفضل قال الماء فحفر بئر وقال هذه لأم سعد وعن عبدالله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر فی الجاهلیة أن ینحر مائة بدنة وان هشام بن العاص نحر خمسة وخمسین وأن عمرا سأل النبی عن ذلك فقال أما أبوك فلو أقر بالتوحید فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك - رواه الإمام أحمد-. فصل: وأما وصول ثواب الصوم ففی الصحیحین عن عائشة رضی الله عنها أن رسول الله قال من مات وعلیه صیام صام عنه ولیه. فی الصحیحین أیضا عن ابن عباس رضی الله عنهما قلاجاء رجل إلی النبی فقال یا رسول الله أمی ماتت وعلیها صوم شهر أفأقضیه عنها قال نعم فدین الله أحق أن یقضی. وفی روایة جاءت امرأة إلی رسول الله فقالت یا رسول الله إن أمی ماتت وعلیها صوم نذر أفأصوم عنها قال أفرأیت لو كان علی أمك دین فقضیته أكان یؤدی ذلك عنها قالت نعم قال فصومی عن أمك وهذا اللفظ للبخاری وحده تعلیقا. وعن بریدة رضی الله عنه قال بینا أنا جالس عند رسول الله إذ أتته امرأة فقالت إنی تصدقت علی أمی بجاریة وأنها ماتت فقال وجب أجرك وردها علیك المیراث فقالت یا رسول الله انه كان علیها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومی عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجی عنها رواه مسلم وفی لفظ صوم شهرین. وعن ابن عباس رضی الله عنهما أن امرأة ركبت البحر



[ صفحه 79]



فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا فنجاها الله فلم تصم حتی ماتت فجاءت بنتها أو أختها إلی رسول الله فأمرها أن تصوم عنها رواه أهل السنن والإمام أحمد وكذلك روی عنه وصول ثواب بدل الصوم وهو الاطعام، ففی السنن عن ابن عمر رضی الله عنهما قال قال رسول الله من مات وعلیه صیام شهر فلیطعم عنه لكل یوم مسكین رواه الترمذی وابن ماجه قال الترمذی ولا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحیح عن ابن عمر من قوله موقوفا. وفی سنن أبی داود عن ابن عباس رضی الله عنهما قال إذا مرض الرجل فی رمضان ولم یصم أطعم عنه ولم یكن عنه قضاء وإن نذر قضی عنه ولیه. فصل: وأما وصول ثواب الحج ففی صحیح البخاری عن ابن عباس رضی الله عنهما أن امرأة من جهینة جاءت إلی النبی فقالت إن أمی نذرت أن تحج فلم تحج حتی ماتت أفأحج عنها قال حجی عنها أرأیت لو كان علی أمك دین أكنت قاضیته اقضوا الله فالله أحق بالقضاء. وقد تقدم حدیث بریدة وفیه أن أمی لم تحج قط أفأحج عنها قال حجی عنها. وعن ابن عباس رضی الله عنهما قال إن امرأة سنان بن سلمة الجهنی سألت رسول الله أن أمها ماتت ولم تحج أفیجزیء أن تحج عنها قال نعم لو كان علی أمها دین فقضته عنها ألم یكن یجزیء عنها - رواه النسائی -. وروی أیضا عن ابن عباس رضی الله عنهما: (أن امرأة سألت النبی عن ابنها مات ولم یحج قال حجی عن



[ صفحه 80]



ابنك). وروی أیضا عنه قال قال رجل یا نبی الله ان أبی مات ولم یحج أفأحج عنه قال أرأیت لو كان علی أبیك دین أكنت قاضیه قال نعم قال فدین الله أحق وأجمع المسلمون علی أن قضاء الدین یسقطه من ذمته ولو كان من أجنبی أو من غیر تركته وقد دل علیه حدیث أبی قتادة حیث ضمن الدینارین عن المیت فلما قضاهما قال له النبی الآن بردت علیه جلدته، وأجمعوا علی أن الحی إذا كان له فی ذمة المیت حق من الحقوق فأحله منه أنه ینفعه ویبرأ منه كما یسقط من ذمة الحی، فإذا سقط من ذمة الحی بالنص والإجماع مع إمكان أدائه له بنفسه ولو لم یرض به بل رده فسقوطه من ذمة المیت بالابراء حیث لا یتمكن من أدائه أولی وأحری واذا انتفع بألإبراء والإسقاط فكذلك ینتفع بالهبة والإهداء ولا فرق بینهما فإن ثواب العمل حق المهدی الواهب فإذا جعله للمیت انتقل إلیه كما أن ما علی المیت من الحقوق من الدین وغیره هو محض حق الحی فإذا أبرأه وصل الإبراء إلیه وسقط من ذمته فكلاهما حق للحی فأی نص أو قیاس أو قاعدة من قواعد الشرع یوجب وصول أحدهما ویمنع وصول الآخر. هذه النصوص متظاهرة علی وصول ثواب الأعمال إلی المیت إذا فعلها الحی عنه وهذا محض للقیاس فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخیه المسلم لم یمنع من ذلك كما لم یمنع من هبة ماله فی حیاته وابرائه له من بعد موته. وقد نبه النبی بوصول ثواب الصوم الذی هو مجرد ترك



[ صفحه 81]



ونیة تقوم بالقلب لا یطلع علیه إلا الله ولیس بعمل الجوارح علی وصول ثواب القراءة التی هی عمل باللسان تسمعه الأذن وتراه العین بطریق الأولی. ویوضحه أن الصوم نیة محضة وكف النفس عن المفطرات وقد أوصل الله ثوابه إلی المیت فكیف بالقراءة التی هی عمل ونیة بل لا تفتقر إلی النیة فوصول ثواب الصوم إلی المیت فیه تنبیه علی وصول سائر الأعمال والعبادات قسمان مالیة وبدنیة وقد نبه الشاع بوصول ثواب الصدقة قال علی وصول ثواب سائر العبادات المالیة ونبه بوصول ثواب الصوم علی وصول ثواب سائر العبادات البدنیة وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالیة والبدنیة فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتباروبالله التوفیق. قال المانعون من الوصول قال الله تعالی: (و أن لیس للانسان الا ما سعی) [1] و قال: (و لا تجزون الا ما كنتم تعملون) [2] و قال: (لهَا مَا كسَبَت وَعلیها ما اكتسبت) [3] وقد ثبت عن النبی أنه قال إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جاریة علیه أو ولد صالح



[ صفحه 82]



یدعو له أوعلم ینتفع به من بعد فأخبر أنه إنما ینتفع بما كان تسبب إلیه فی الحیاة وما لم یكن قد تسبب إلیه فهو منقطع عنه. وأیضا فحدیث أبی هریرة رضی الله عنه المتقدم وهو قوله إن مما یلحق المیت من عمله وحسناته بعد موته علما نشره الحدیث یدل علی أنه إنما ینتفع بما كان قد تسبب فیه وأیضا فحدیث أبی هریرة رضی الله عنه المتقدم وهو قوله إن مما یلحق المیت من عمله وحسناته بعد موته علما نشره الحدیث یدل علی أنه إنما ینتفع بما كان قد تسبب فیه. وكذلك حدیث أنس یرفعه سبع یجری علی العبد أجرهن وهو فی قبره بعد موته من علم علما أو أكری نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنی مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا صالحا یستغفرله بعد موته. وهذا یدل علی أن ما عدا ذلك لا یحصل له منه ثواب والا لم یكن للحصر معنی، قالوا والإهداء حوالة والحوالة إنما تكون بحق لازم والأعمال لا توجب الثواب وانما هو مجرد تفضل الله واحسانه فكیف یحیل العبد علی مجرد الفضل الذی لا یجب علی الله بل إن شاء آتاه وان لم یشأ لم یؤته وهو نظیر حوالة الفقیر علی من یرجو أن یتصدق علیه ومثل هذا لا یصح إهداؤه وهبته كصلة ترجی من ملك لا لتحقق حصولها قالوا وأیضا فالإیثار بأسباب الثواب مكروه



[ صفحه 83]



وهو الإیثاربالقرب فكیف الإیثار بنفس الثواب الذی هو غایة إذا كره الإیثار بالوسیلة فالغایة أولی وأحری. وكذلك كره الإمام أحمد التأخر عن الصف الأول وایثار الغیر به لما فیه من الرغبة عن سبب الثواب قال أحمد فی روایة حنبل وقد سئل عن الرجل یتأخرعن الصف الأول ویقدم أباه فی موضعه قال ما یعجبنی هو یقدر أن یبر أباه بغیر هذا قالوا أیضا لو ساغ الإهداء إلی المیت لساغ نقل الثواب والإهداء إلی الحی وأیضا لو ساغ ذلك لساغ لهذا نصف الثواب وربعه وقیراط منه. وأیضا لو ساغ ذلك لساغ إهداؤه بعد أن یعمله لنفسه وقد قلتم أنه لا بد أن ینوی حال الفعل إهداءه إلی المیت والا لم یصل إلیه فإذا ساغ له نقل الثواب فأی فرق بین أن ینوی قبل الفعل أوبعده. وأیضا لو ساغ الإهداء لساغ إهداء ثواب الواجبات علی الحی كما یسوغ إهداء ثواب التطوعات التی یتطوع بها قالوا وان التكالیف امتحان وابتلاء لا تقبل البدل فإن المقصود منها عین المكلف العامل المأمور المنهی فلا یبدل المكلف الممتحن بغیره ولا ینوب غیره عنه فی ذلك أن المقصود طاعته هو نفسه وعبودیته ولوكان ینتفع بإهداء غیره له من غیرعمل منه لكان أكرم الأكرمین أولی بذلك وقد حكم سبحانه أنه لا ینتفع إلا بسعیه وهذه سنته تعالی فی خلقه وقضاؤه كما هی سنته فی أمره وشرعه فإن المریض لا ینوب عنه غیره فی شرب الدواء والجائع والظمآن والعاری لا ینوب عنه غیره فی الأكل والشرب واللباس قالوا



[ صفحه 84]



ولو نفعه عمل غیره لنفعه توبته عنه. قالوا ولهذا لا یقبل الله إسلام أحد ولا صلاته عن صلاته فإذا كان رأس العبادات لا یصح إهداء ثوابه فكیف فروعها. قالوا وأما الدعاء فهو سؤال ورغبة إلی الله أن یتفضل علی المیت ویسامحه ویعفو عنه وهذا إهداء ثواب عمل الحی إلیه. قال المقتصرون علی وصول العبادات التی تدخلها النیابة كالصدقة والحج والعبادات نوعان نوع لا تدخله النیابة بحال كالإسلام والصلاة وقراءة القرآن والصیام فهذا النوع یختص ثوابه بفاعله لا یتعداه ولا ینقل عنه كما أنه فی الحیاة لا یفعله أحد عن أحد ولا ینوب فیه عن فاعله غیره، ونوع تدخله النیابة كرد الودائع وأداء الدیون واخراج الصدقة والحج فهذا یصل ثوابه إلی المیت لأنه یقبل النیابة ویفعله العبد عن غیره فی حیاته فبعد موته بالطریق الأولی والأحری. قالوا وأما حدیث من مات وعلیه صیام صام عنه ولیه فجوابه من وجوه؛ أحدها ما قاله مالك فی موطئه قال لا یصوم أحد عن أحد قال وهو أمر مجمع علیه عندنا لا خلاف فیه. الثانی أن ابن عباس رضی الله عنهما هو الذی روی حدیث الصوم عن المیت وقد روی عنه النسائی أخبرنا محمد بن عبد الأعلی حدثنا یزید بن زریع حدثنا حجاج الأحول حدثنا أیوب بن موسی عن عطاء بن أبی رباح عن ابن عباس رضی الله عنهما قال لا یصلی أحد عن أحد. الثالث



[ صفحه 85]



أنه حدیث اختلف فی إسناده هكذا قال صاحب المفهم فی شرح مسلم. الرابع أنه معارض بنص القرآن كما تقدم من قوله تعالی (و أن لیس للانسان الا ما سعی). الخامس أنه معارض بما رواه النسائی عن ابن عباس رضی الله عنهما عن النبی أنه قال لا یصلی أحد عن أحد ولا یصوم أحد عن أحد ولكن یطعم عنه مكان كل یوم مدا من حنطة. السادس أنه معارض بحدیث محمد بن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن نافع عن ابن عمر رضی الله عنهما عن النبی من مات وعلیه صوم رمضان یطعم عنه. السابع أنه معارض بالقیاس الجلی علی الصلاة والإسلام والتوبة فأن أحدا لا یفعلها عن أحد قال الشافعی فیما تكلم به علی خبر ابن عباس لم یسم ابن عباس ما كان نذر أم سعد فاحتمل أن یكون نذر حج أو عمرة أو صدقة فأمره بقضائه عنها فأما من نذر صلاة أو صیاما ثم مات فإنه یكفر عنه فی الصوم ولا یصام عنه ولا یصلی عنه ولا یكفر عنه فی الصلاة ثم قال فإن قیل أفأروی عن رسول الله أمر أحد أن یصوم عن أحد قیل نعم روی ابن عباس رضی الله عنهما عن النبی فإن قیل فلم لا تأخذ به قیل حدیث الزهری عن عبیدالله عن ابن عباس رضی الله عنهما عن النبی نذرا ولم یسمعه مع حفظ الزهری وطول مجالسه عبید الله لابن عباس فلما جاء غیره عن رجل عن ابن عباس بغیر ما فی حدیث عبیدالله أشبه أن لا یكون محفوظا فإن قیل فتعرف الرجل الذی جاء بهذا الحدیث یغلط عن ابن عباس قیل نعم روی أصحاب ابن عباس عن ابن



[ صفحه 86]



عباس أنه قال لابن الزبیر أن الزبیر حل من متعة الحج فروی هذا عن ابن عباس أنها متعة النساء وهذا غلط فاحش. فهذا الجواب عن فعل الصوم وأما فعل الحج فإنما یصل منه ثواب الإنفاق وأما أفعال المناسك فهی كأفعال الصلاة إنما تقع عن فاعلها. قال أصحاب الوصول لیس فی شیء مما ذكرتم ما یعارض أدلة الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ومقتضی قواعد الشرع ونحن نجیب عن كل ما ذكرتموه بالعدل والإنصاف. أما قوله تعالی (و أن لیس للانسان الا ما سعی) فقد اختلفت طرق الناس فی المراد بالآیة فقالت طائفة المراد بالإنسان ها هنا الكافر وأما المؤمن فله ما سعی وما سعی له بالأدلة التی ذكرناها قالوا وغایة ما فی هذا التخصیص وهو جائز إذا دل علیه الدلیل. وهذا الجواب ضعیف جدا ومثل هذا العام لا یراد به الكافر وحده بل هو للمسلم والكافر وهو كالعام الذی قبله وهو قوله تعالی (ألا تزر وازرة وزر أخری) [4] والسیاق كله من أوله إلی آخره كالصریح فی إرادة العموم لقوله تعالی و أن سعیه سوف یری، ثم یجزئه الجزآء الأوفی) [5] وهذا یعم الشر والخیر قطعا ویتناول البر والفاجر والمؤمن و الكافر كقوله تعالی (فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره، و من یعمل



[ صفحه 87]



مثقال ذرة شرا یره) [6] وكقوله له فی الحدیث الإلهی یا عبادی إنما هی أعمالكم أحصیها لكم ثم أوفیكم إیاها فمن وجد خیرا فلیحمد الله ومن وجد غیر ذلك فلا یلومن إلا نفسه وهو كقوله تعالی (یأیها الانسان انك كادح الی ربك كدحا فملاقیه) [7] .

رد مهم وقالت طائفة أخری القرآن لم ینف انتفاع الرجل بسعی غیره وانما نفی ملكه لغیر سعیه وبین الأمرین من الفرق مالا یخفی فأخبر تعالی أنه لا یملك إلا سعیه وأما سعی غیره فهو ملك لساعیه فإن شاء أن یبذله لغیره وان شاء أن یبقیه لنفسه وهو سبحانه لم یقل لا ینتفع إلا بما سعی وكان شیخنا یختار هذه الطریقة ویرجحها. فصل: وكذلك قوله تعالی: (لها ما كسبت و علیها ما اكتسبت) و قوله: (و لا تجزون الا ما كنتم تعملون) علی أن هذه الآیة أصرح فی الدلالة علی أن سیاقها وانما ینفی عقوبة العبد بعمل غیره وأخذه بجریرته فإن الله سبحانه قال: (فالیوم لا تظلم نفس شیئا و لا تجزون الا ما كنتم تعملون) فنفی أن یظلم بأن یزاد علیه فی



[ صفحه 88]



سیئاته أوینقص من حسناته أو یعاقب بعمل غیره ولم ینف أن ینتفع بعمل غیره لا علی وجه الجزاء فإن انتفاعه بما یهدی إلیه لیس جزاء علی عمله وانما هو صدقة تصدق الله بها علیه وتفضل بها علیه من غیر سعی منه بل وهبه ذلك علی ید بعض عباده لا علی وجه الجزاء فصل وأما استدلالكم بقوله إذا مات العبد انقطع عمله فاستدلال ساقط فانه لم یقل انقطع انتفاعه وانما أخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غیره فهو لعامله فان وهبه له وصل إلیه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شیء والواصل إلیه شیء آخر وكذلك الحدیث الآخر وهو قوله إن مما یلحق المیت من حسناته وعمله فلا ینفی أن یلحقه غیر ذلك من عمل غیره وحسناته فصل وأما قولكم الإهداء حوالة والحوالة إنما تكون بحق لازم فهذه حوالة المخلوق علی المخلوق. وأما حوالة المخلوق علی الخالق فأمر آخر لا یصح قیاسها علی حوالة العبید بعضهم علی بعض وهل هذا إلا من أبطل القیاس وأفسده والذی یبطله اجماع الأمة علی انتفاعه بأداء دینه وما علیه من الحقوق وابراء المستحق لذمته والصدقة والحج عنه بالنص الذی لا سبیل إلی رده ودفعه وكذلك الصوم وهذه الأقیسة الفاسدة لا تعارض نصوص الشرع وقواعده - انتهی- " [8] .



[ صفحه 89]




[1] النجم الآية 39.

[2] يس الآية 54.

[3] البقرة الآية 286.

[4] النجم الآية 38.

[5] النجم الآيتان 40، 41.

[6] الزلزلة الآيتان 8، 7.

[7] الانشقاق الآية 6.

[8] الروح، ج 1، ص 118 و 129.